التكرار الأسلوبي في اللغة العربية

إن ظاهرة التكرار ظاهرة لغوية عرفتها العربية في أقدم نصوصها التي وصلت إلينا ، نعنى بذلك الشعر الجاهلى، وخطب الجاهلية وأسجاعها، ثم استعملها القرآن الكريم ، ووردت فى الحديث النبوي وكلام العرب شعره ونثره من بعد .... ومن ثم فهي ظاهرة تستحق الدراسة لتبين معالمها والتعرف على حقيقتها ومواضع استعمالها..إلخ .

وفى العربية نجد تكراراً للحروف والأسماء والأفعال والجمل الاسمية والفعلية ، ونجد كذلك ألواناً تكرارية إيقاعية يُقصد بها إلى إحداث نوع من الموسيقى اللفظية المؤثرة ، وعلى مستوى النص القرآني سنجد تكراراً لهذا كله ، وتكراراً للقصص القرآني كذلك .

وقد تناثرت أقوالٌ عن ظاهرة التكرار وإشارات إليها فى كتب القدماء والمحدثين ، ونالت بعضاً من الدرس الموجز أحياناً ، والمفصل غير المكتمل أحياناً أخرى ... إن درس التكرار درس متشعب ، فهناك دراسة المصطلحات الخاصة بالتكرار وتعريفاته المتعددة ، ثم هناك دراسة أنواعه الكثيرة ، ودراسة أغراضه ودواعيه ، وكل ذلك يحتاج إلى درس خاص من وجهة نظر أسلوبية للوقـوف على حقيقة الظاهرة .

إن التكرار فى الحقيقة ظاهرة حيوية عامة ، إنها موجودة فى الحياة فى صور متعددة ، وبما أن اللغة صورة للمجتمع ، فإنها تحتوى على صور مما هو موجود فيه ، فظاهرة كالترادف قد نجد لها شبهاً فى تشابه شخصين من البشر تشابهاً تاماً يصعب معه التمييز بينهما ، وظاهرة التضاد نجد لها شبهاً فيما بين الأسود والأبيض من تضاد .... إلخ ، ونحن فى أفعالنا وأقوالنا نكرر كثيراً منها لأسباب كثيرة ، وقد ساد الاعتقاد بأن الشعر العربى القديم نشأ فى صورة وزن الرجز أول ما نشأ متأثراً بوقع أقدام الجمال الرتيبة المتكررة على نمط واحد على رمال صحراء العرب ، وأياً ما كان الأمر فإن ظاهرة التكرار فى الحياة تجد لها صدى فى اللغة .

وعلى مستوى الدرس العلمى والعملى لا نكاد نجد عند النحاة والصرفيين كبيرَ اهتمام بالظاهرة ، وإنما اهتم بها نقادُ الأدب ودارسوه ومفسرو القرآن الكريم والبلاغيون ، وموقف النحاة والصرفيين القدماء قد يكون لـه ما يبرره ، ذلك أن الصرف يهتم ببنية الكلمة الواحدة ، والنحو عندهم يهتم بتركيب الجملة ، ولا يتجاوز ذلك عادة إلى النص كله ، ولذا اقتصر درس النحاة للتكرار غالباً على لون واحد منه هو ما أسموه بالتوكيد اللفظي ، ولكنا ندرس الظاهرة من خلال مستويات التحليل اللغوي جميعاً ، حسب ما تتجه إليه الدراسات اللغوية الحديثة .